الحمدُ لله العليم الحكيم، العليِّ العظيم، خلقَ كلَّ شَيْءٍ فقَدَّره تقديراً، وأحْكَمَ شرائعَه ببالغِ حكمتِهِ بياناً للْخَلق وتَبْصيراً، أحمدُه على صفاتِه الكامِلة، وأشكرُه على آلائِه السابغة، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وحده لا شريكَ له لَهُ الملكُ وله الحمدُ وهوَ على كلِّ شَيْء قدير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه البشيرُ النذير، صلَّى الله عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ المآبِ والمصِير، وسلَّم تسليماً.
أخي الكريم .. أختي الكريمة :
إن شهرَكُمُ الكريمَ قد عزَم على الرحيل ولم يبقَ منه إلاَّ الزمنُ القليلُ، فمَنْ كان منكم محسِناً فليحمدِ اللهَ على ذلك ولْيَسْألْه القَبولَ، ومَنْ كان منكم مهملاً فلْيتبْ إلى اللهِ ولْيَعْتَذِرْ من تقصيرِه فالعذرُ قبْلَ الموتِ مَقْبولٌ.
وإن الله شرعَ لكم في ختامِ شهرِكم هذا أنْ تؤَدُّوا زكاةَ الفطر قبْلَ صلاةِ العيدِ .
وسنتكلم عما كثر الكلام في الأونة الأخيرة حول كيفية اخراج زكاة الفطر ؟
فترى اللجان تتنافس فيها بالاعلانات الخارجية
فمنهم من يقول : نستقبل زكاة الفطر دينار واحد
ومنهم من يقول : لا نستقبل الاطعاما احياءً للسنة
ومنهم من يقول : زكاة الفطر دينار واحد نخرجها لك طعاما
فكيف نخرج زكاة الفطر اذن ؟؟؟
لذا حرص اخوانكم على بيان كيفية اخراج زكاة الفطر على السنة النبوية بالعقل والنقل بالمسائل التالية
--------------------------------------------------------------------------------
المسألة الأولى : لا اجتهاد مع نص
دلت السنة النبوية على أن زكاة الفطر طعاماً وليس نقودا لحديث ابن عمر قال : « فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة » رواه النسائي وصححه الألباني وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط لا نخرج غيره »
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : « فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات » رواه ابي داود وحسنه الألباني
فدلالة الأحاديث الشريفة أن إخراج زكاة الفطر طعاما وليس نقودا ، ولا حجة لقول أحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم
وكما قال مالك رحمه الله : كل منا يأخذ بقوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ( يعني بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ) .أهـ
وقال الشافعي رحمه الله : اذا عارض قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط . أهـ
فالأحاديث صريحة لا تحتمل التأويل ولا اجتهاد مع نص.
--------------------------------------------------------------------------------
المسألة الثانية : هل الفقراء بحاجة للمال
يقول كثير من الناس إن زكاة الفطر نقود أفضل من الأرز والتمر وإن المساكين عندهم ما يكفيهم من الأكل وأنهم بحاجة إلى المال لشراء الملابس والانفاق منها ونحو ذلك..!! فنرد عليهم بالأمور التالية :
أولاً : ان العبادات توقيفية فلا يجوز لنا أن نتجاوز النصوص بأفهامنا ولا بعواطفنا .
ثانيًا : لقد حث الله تعالى على إطعام المساكين في آيات عديدة لم يقل إلباس المسكين .. قال الله تعالى { أّوً مٌسًكٌينْا ذّا مّتًرّبّةُ } البلد16 ، وقال { وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } الماعون3، وقال { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } المدثر44 ، وقال { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } الإنسان 8
ثالثًا : أن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة والتابعين كانوا يملكون المال ومع ذلك كانوا يخرجون زكاة الفطر صاعاً من طعام امتثالاً بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، واعلم أخي المسلم أن الله تعالى يعلم ما كان وما سيكون، ولو كان المسكين بحاجة إلى الملابس بدلا من الطعام لأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رابعًا : بإمكانك إعطاؤهم المال من زكاة المال والذهب والفضة فانه يسد ويغني الفقراء والمساكين لحاجاتهم الأخرى ، وبذلك تكون زكاة الفطر = طعاما ، وزكاة المال والذهب = نقودا
خامسًا : أن هذا الفهم فهمه جمهور الفقهاء رحمهم الله كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم كثير .
سادسًا : ان في ذلك الغاء لكثير من الأحكام الشرعية ، فاذا جوّزنا اخراج زكاة الفطر نقودا لجاز لنا كذلك اخراج ما سواها نقودا كالكفارات والأضاحي والهدي وبهذا نكون قد فرغنا الشريعة التي قررت هذه الأحكام بما يناسب الحكمة من كل حكم شرعي بحسبه .
وقد سئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله : يقول كثير من الفقراء الآن إنهم يفضلون زكاة الفطر نقوداً بدلاً من الطعام لأنه أنفع لهم فهل يجوز دفع زكاة الفطر نقوداً؟
فأجاب فضيلته بقوله : الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال بل تدفع طعاماً، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أو من طعام وجد حديثاً، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك، والمقصود نفع الفقراء، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: « كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمروالشعيروالزبيب والأقط » فإذا أخرجها الإنسان من الطعام فينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء وهذا يختلف في كل وقت بحسبه.
وأما إخراجها من النقود أو الثياب أو الفرش أو الآليات فإن ذلك لا يجزىء ولا تبرأ به الذمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » متفق عليه
--------------------------------------------------------------------------------
مسائل متفرقة
أفضل الأصناف ما كان أنفع للفقير (تمر، أرز، بر) وهذا يختلف باختلاف المكان والزمان.
لا يجب على الكفيل إخراجها عن الخدم المسلمين لكن لو تبرع فلا بأس بذلك ويلزمه إعلامهم حتى تقع منهم النية لأنها عبادة والعبادة لا بد لها من نية.
يجوز إعطاء فطرة الواحد لجماعة وفطرة الجماعة لواحد.
يجوز التوكيل في إخراج زكاة الفطر كإعطاء بعض اللجان والجمعيات الخيرية بشرط أن يخرجوها طعاماً
الأولى أن يخرج المسلم زكاة الفطر بنفسه وفائدة ذلك هو الوقوف على أحوال الفقراء والمساكين من المسلمين.
وبعد بيان هذه المسائل نقول :
يجب إخراج زكاة الفطر صاعاً من طعام وقوفًا بعمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه